فصل: فصل في المعاوضة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في المعاوضة:

وهي بيع العرض بالعرض كحيوان بثوب أو حيوان بمثله أو ثوب بمثله أو أرض بمثلها ونحو ذلك، وتسميها العامة اليوم المعاملة فهي من أنواع البيع كما قال:
يَجُوزُ عَقْدُ البَيْعِ بالْتَّعْويضِ ** في جُمْلَةِ الأصُولِ وَالْعُرُوض

(يجوز عقد البيع بالتعويض في جملة الأصول والعروض) وظاهره؛ ولو لم يتعرضا لقيمة كل من العوضين وهو كذلك، ثم إذا وقعت في غير الأصول أو في الأصول التي لا ثمرة فيها أصل فلا إشكال في الجواز كما يستفاد من هذا البيت وما يأتي في قوله: وجائز في الحيوان كله إلخ. وأما إن وقعت في الأصول التي فيها ثمرة فإما أن تكون تلك الثمرة غير مأبورة بأن لم ينعقد الثمر ولا خرج الزرع على وجه الأرض، وإما أن تكون مأبورة فأشار إلى الأول بقوله:
ما لَمْ يَكُنْ في الأَصْلِ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرْ ** لَمْ يُؤْبَرَا فمَا انْعِقَادُهَا يُقَرْ

(ما لم يكن في الأصل زرع أو ثمر لم يؤبرا) فإن المعاوضة حينئذ لا تجوز وإن وقعت (فما انعقادها يقر) بل يجب فسخها بكل حال، كما في ابن سلمون، وذلك لأنه يؤدي إلى بيع طعام وعرض بطعام وعرض كما تقدم في القسمة حيث قال:
وحيثما الإبار فيهما عدم ** فالمنع من قسمة الأصل منحتم

وما مر عن ابن فتحون في بيع الأصول بثمرها إنما هو إذا بيعت بعين أو بأصل لا ثمرة فيه أصلاً، كما تقدم التنبيه عليه، وأشار إلى الثاني بقوله:
وَصَحَّ بالْمَأْبُورِ حَيْثُ يُشْتَرَطْ ** مِنْ جَهَةٍ أوْ بَقِيا مَعاً فَقَطْ

(وصح) عقد المعاوضة (بالمأبور) من الجانبين (حيث يشترط) لأحدهما (من جهة) دون الأخرى وأفهم قوله بالمأبور أن كلاً من الأصلين فيه مأبور إلا أن أحدهما اشترط لنفسه مأبور الآخر وأبقى مأبور أصله لنفسه أيضاً، وغايته أنه اشترى أصلاً مع مأبوره بأصل فقط دون مأبوره ولا محذور فيه بمنزلة ما لو اشترى أصلاً مع مأبوره بعين أو ثوب، وأحرى وأولى في الجواز إذا كان أحد الأصلين لا ثمرة فيه أصلاً فباعه ربه بأصل فيه مأبور واشترط المأبور لنفسه، وكذا إن كان ثمر أحد الأصلين قد أبر وثمر الآخر لم يؤبر، فيجوز على أن تكون الثمرة المأبورة تبقى للذي صارت له الثمرة التي لم تؤبر، ولا يجوز أن يشترطها الآخر قاله ابن سلمون، وفهم من قوله: من جهة أنه إذا اشترط كل منهما مأبور صاحبه لنفسه لم يجز وهو كذلك، لأنه عرض وطعام بعرض وطعام أي يؤول إلى ذلك كما تقدم في القسمة قريباً، وسواء كانا من جنس واحد أو من جنسين كأرض فيها زرع مؤبر بشجرة فيها ثمر مؤبر أيضاً للشك في التماثل في الجنس، ووجود النسيئة في الصورتين خلافاً للشيخ (م) في إجازته صورة الجنسين على جهة الترجي قائل لأن المماثلة غير مطلوبة والمناجزة حاصلة لأن النظر إلى الجزاف قبض إلخ. لما علمت من أن الثمرة المأبورة ليست طعاماً الآن، ولأن كون النظر إلى الجزاف قبضاً إنما هو إذا كان مما ينتفع به في الحال وتقطع الثمرة من الآن كما مر في القسمة والله أعلم. (أو بقيا) معطوف على يشترط مدخول لحيث أي وصح حيث بقيا أي المأبوران (معاً) أي عقدا على أن يبقى لكل واحد منهما مأبور أصله، لأن المعاوضة حينئذ إنما وقعت في الأصلين (فقط) دون الثمرة، فقوله: فقط راجع لقوله: من جهة وإذا اشترط المأبور من أحد الجانبين فإصابته جائحة فإنها لا توضع عنه لأن شرط وضع الجائحة أن لا تشتري مع أصلها وإلا فلا جائحة فيها كما قال (خ) وأفردت أو ألحق أصلها لا عكسه أو معه، وإذا استحق أحد العوضين في المعاوضة أو رد بعيب انفسخت المعاوضة ورجع كل واحد من العوضين لصاحبه إلا أن يفوت فيرجع بالقيمة كما قال (خ) أيضاً. وفي عرض بعرض بما خرج من يده أو قيمته إلخ.
وَسَائِغٌ للمُتَعَاوِضَيْنِ ** مِنْ جَهَةٍ فَقَطْ مَزِيدُ العَيْنِ

(وسائغ) أي جائز (للمتعاوضين من جهة فقط مزيد) أي زيادة (العين) حيث يكون أحد العوضين أكثر من قيمة الآخر، وهو معنى قوله:
لأَجُلِ ما كانَ مِنَ التَّفْضِيلِ ** بالنَّقْدِ وَالْحُلُولِ والتأجيل

(لأجل ما كان من التفضيل) أي إنما زيدت العين لكون عرض أحدهما يفضل على عرض الآخر في القيمة، فتزاد العين ليقع التعادل، وفهم من قوله: من جهة فقط أنه لا يجوز من الجهتين لأنه عين وعرض بعين وعرض، فالعين مع العرض من الجانبين إن كانت من جنس واحد قد اجتمع فيها المبادلة والبيع، وذلك مؤد للربا المعنوي المشار إليه بقول (خ): كدينار ودرهم أو غيره بمثلهما إلخ. وإن كانت من جنسين اجتمع فيها البيع والصرف المشار إليه بقوله أيضاً. وحرم بيع وصرف إلا أن يكون الجميع ديناراً أو يجتمعا فيه إلخ. والقاعدة الشرعية أن العرض المقارن للطعام طعام والمقارن للعين عين، ولذلك امتنع بيع عرض وعين بعين من جنسها، وكذا من غير جنسها حيث لم يكن الجميع ديناراً ولا اجتمعا فيه (بالنقد) يتعلق بمحذوف حال من العين أي جازت زيادة العين لفضل أحد العوضين على مقابله في القيمة حال كون العين كائنة بالنقد أي: منقودة ومدفوعة في الحين (والحلول والتأجيل) الواو بمعنى (أو) فيهما أي أو كانت غير منقودة ولكنها بالحلول متى طولب بها أداها أو كانت بالتأجيل إلى أجل معلوم أو بعضها بالنقد وبعضها لأجل معلوم أيضاً كل ذلك جائز.
وَجَائِزٌ في الْحَيوَانِ كلِه ** تَعَاوُضٌ وإنْ يَكُنْ بِمِثْلِهِ

(وجائز في الحيوان كله) أي الرقيق والأنعام والدواب (تعاوض) كانا من جنسين كعبد بجمل أو جملين نقداً في العوضين أو تعجيل أحدهما وتأجيل الآخر لا أن تأجلا معاً لأنه من ابتداء الدين بالدين أو كانا من جنس واحد كعبد بعبد وهو قوله: (وإن يكن بمثله) أي في الجنسية والقدر كانا نقداً معاً أو عجل أحدهما لا أن تأجلا معاً كما مر، وأما إن اختلف القدر كجمل في جملين مثله جودة ورداءة، فإن عجل العوضان معاً جاز، وإن تأخرا معاً امتنع، وكذا إن تأخر أحدهما لأنه مع تقديم الجملين ضمان بجعل ومع تأخيرهما وتعجيل المنفرد سلف جر نفعاً، وكذا إن عجل المنفرد وأحد الجملين اللذين في مقابلته لأن المؤجل هو العوض، والمعجل زيادة لأجل السلف. ابن يونس: كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا، وهذا هو المشهور الذي درج عليه (خ) في السلم حيث قال: لا جمل في جملين مثل عجل أحدهما إلخ. ولا مفهوم لجمل في جملين بل غيرهما من الثياب وسائر العروض كذلك، ومقابل المشهور الجواز لأن تعجيل المنفرد مع أحد الجملين بيع، والجمل الآخر محض زيادة والقولان لمالك قال في ضيح: والأقرب جرياً على قواعد المذهب القول المشهور، لأن في هذه المسألة تقديراً يمنع وتقديراً يجيز والأصل في مثله تغليب المنع. اهـ. ابن بشير: جرت في هذه المسألة مناظرة بين المغيرة وأشهب، فالتزم أشهب الجواز فألزمه المغيرة ذلك في دينار بدينارين عجل أحدهما فالتزمه، وقد لا يلزمه لأن باب الربا أضيق من غيره، ولاسيما الشافعي يجيز الزيادة في سلم العروض لأجل. اهـ. فما قاله أشهب مقابل للمشهور، واعتراض (ق) على (خ) بما نقله عن المازري مردود بكلام ضيح وابن عبد السلام وعبد الحق وأبي إسحاق، ومفهوم قول (خ) مثله أنهما لو كانا معاً أجود بكثرة حمل أو سبق جاز مطلقاً أجلا معاً أو أحدهما وعجل الآخر لمخالفتهما للمنفرد فصارا كجنسين.

.فصل في الإقالة:

وهي رجوع كل من العوضين لصاحبه. ابن عرفة: هي ترك المبيع لبائعه بثمنه وأكثر استعمالها قبل قبض المبيع وهي رخصة وعزيمة. اهـ. يعني رخصة في الطعام قبل قبضه، والمراد بالعزيمة أحد أقسام الحكم الشرعي وهو الإباحة هاهنا فهي رخصة فيما يمتنع بيعه قبل قبضه جائزة فيما عداه لأنها بيع من البيوع تنعقد بما يدل على الرضا وإن بمعاطاة، ثم إن وقعت بأقل من الثمن أو أكثر فهي بيع اتفاقاً فتمتنع في الطعام قبل قبضه، وتجوز في غيره مع وجود شروط البيع من كون المقال في مقدوراً على تسليمه غير واقعة وقت نداء الجمعة إلى غير ذلك، وإن وقعت بمثل الثمن فثلاثة أقوال. ثالثها: المشهور أنها بيع إلا في الطعام فتجوز منه قبل قبضه بناء على أنها نقض للبيع، وإلاَّ في الشفعة فليست بيعاً ولا نقضاً للبيع، بل هي باطلة إذ لو كانت بيعاً لخير الشفيع في أن يأخذ بالبيع الأول والثاني ويكتب عهدته على من أخذ ببيعه مع أنه إنما يأخذ بالبيع الأول ويكتب عهدته على المشتري، ولو كانت نقضاً للبيع لسقطت الشفعة وإلاَّ في المرابحة، فهي فيها حل بيع، فمن اشترى سلعة بعشرة وباعها مرابحة بخمسة عشر، ثم أقال منها ما لم يبعها ثانياً مرابحة إلا على أن رأس ماله عشرة، ولا يبيعها على أن رأس ماله خمسة عشر إلا إذا بين وهذا معنى قول (خ) والإقالة بيع إلا في الطعام والشفعة والمرابحة إلخ.
إقالَةٌ تجُوزُ فيما حَلاَّ ** بالمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلاًّ

(إقالة) مبتدأ سوغه قصد الجنس وخبره (تجوز فيما حلا) كان الثمن عيناً أو عرضاً أو طعاماً غاب عليه أم لا. للسلامة من التهمة الآتية فيما لم يحل المشار إليه بقوله فيما يأتي: ولا يقال حيث لم يأت الأجل (بالمثل) يتعلق بتجوز (أو أكثر أو أقلا) وهذا التعميم يجب أن يخصص بغير الطعام قبل قبضه، وأما فيه قبل قبضه فلا تجوز إلا بالمثل كما تقدم، وظاهره أنها جائزة فيما حل ولو على تأخير الثمن وهو كذلك إن كان المبيع معيناً كالعبد والثوب ونحوهما، وأما إن كان المبيع غير معين كالشيء المسلم فيه، فإنه يجب فيه رد رأس المال عاجلاً وإلاَّ أدى لفسخ الدين في الدين لأن دينه كان عرضاً ففسخه في دراهم لا يتعجلها الآن بخلاف تأخير رأس المال في غير الإقالة فيجوز كما قال (خ): شرط السلم قبض رأس المال كله أو تأخيره ثلاثاً ولو بشرط، وذلك لأن اللازم فيه ابتداء الدين بالدين وهو أخف من فسخ الدين في الدين الذي هو لازم في الإقالة، وظاهره أيضاً جوازها فيما حل ولو من بعضه وهو كذلك إن كان الثمن مما يعرف بعينه كعرض أو مما لا يعرف بعينه ولم يغب عليه وإلاَّ كان مما لا يعرف بعينه كالطعام والعين وغاب عليه غيبة يمكنه فيها الانتفاع به ولم تجز الإقالة إلا من الجميع لا من البعض كان المبيع طعاماً أو غيره حل الأجل أم لا، لأنه يدخله بيع وسلف مع ما في الطعام من بيعه قبل قبضه لأن الغيبة على المثلى تعد سلفاً، فإذا أسلم له عشرة دراهم في ثوبين أو وسقين وبعد الغيبة على العشرة أقاله قبل الأجل أو بعده في أحد الثوبين أو الوسقين ورد له خمسة دراهم امتنعت الإقالة لأنه آل الأمر إلى أنه دفع عشرة وغاب عليها خمسة منها في مقابلة الخمسة التي ردها سلف، وخمسة منها في مقابلة أحد الثوبين أو الوسقين، فقد اجتمع البيع والسلف في الأمرين وزاد أحد الوسقين بعلة أخرى وهي بيع الطعام قبل قبضه.
تنبيه:
إذا باع سلعة فحملها المشتري ثم تقايلا فإن سأل البائع الإقالة فأجرة الحمل في ردها عليه، وإن سألها المشتري فأجرة الحمل في ردها للبائع عليه قاله البرزلي قال: وعليه تجري مسألة تقع اليوم وهي ما إذا أقاله في أصل باعه إياه قد كان دفع أجرة السمسار فمن طلب الإقالة فالأجرة عليه أما البيع الفاسد فحملها أولاً وآخراً على المشتري سواء دلس البائع أم لا. وكذا في الرد بالعيب نقله (ح).
وَلِلْمُقَالِ صِحَّةُ الرُّجُوعِ ** بحَادِثٍ يَحْدُثُ في الْمَبِيعِ

(و) إذا باع عبداً مثلاً فحدث فيه عيب عند المشتري ثم وقعت الإقالة ف (للمقال) الذي هو البائع (صحة الرجوع) في الإقالة ويرد العبد على المشتري (بحادث) ذلك العيب الذي (يحدث) عند المشتري (في) ذلك (المبيع) لأن الإقالة بيع فالبائع اشترى العبد ولم يطع وقت البيع على العيب الحادث عند المشتري، فإذا اطلع عليه بعد فله الرد به.
وفي القَدِيم مِنْهُ لا مَحَالَهْ ** بِزَائِدٍ إنْ كَانَ فِي الإقَالَهْ

(وفي القديم منه) أي من العيب وهو ما كان موجوداً وقت البيع (لا محالة) يرجع البائع (بزائد) الثمن (إن كان) قد زاده (في الإقالة) زيادة على الثمن الأول كما لو باعه له بثمانية فأقاله على عشرة، ثم اطلع البائع على عيب قديم لم يعلم به وقت البيع الأول ولا المشتري وقت الإقالة فإن للبائع أن يرجع بالاثنين اللذين زادهما للمشتري عند الإقالة، وقولي: لم يعلم به وقت البيع الأول احترازاً مما إذا علم به وقتئذ، فإنه لا يرجع على المشتري بالزيادة ولا يرد المبيع على المشتري لعلمه بالعيب وتدليسه به كما قال (خ): وفرق بين مدلس وغيره في أخذه منه بأكثر إلخ. وقولي: ولا المشتري وقت الإقالة احترازاً مما إذا علم به المشتري وعدل عن الرد به إلى الإقالة فإنه حينئذ كأنه حدث عنده، وللبائع حينئذ أن يرده عليه إذا لم يعلم به وقت الإقالة، وإلاَّ فلا لدخوله عليه، ومفهوم قوله بزائد أنه إذا أقاله فيه بمثل الثمن أو بأقل لا يرجع بشيء وهو كذلك في المثل، سواء أقاله بعد اطلاعه على العيب أم لا. كان المقال مدلساً في بيعه الأول أم لا. غير أنه إذا لم يكن مدلساً فله رده على المشتري إذا أقاله بعد اطلاعه عليه لأنه بمنزلة ما حدث عنده كما مر، وأما في الأقل فإن أقاله المشتري قبل اطلاعه على العيب فإن البائع يجب عليه أن يكمل له الثمن سواء دلس أم لا. وإن أقاله بعد اطلاعه عليه لم يكمل له دلس أم لا. وإلى تفصيل هذه المسألة أشار (خ) في العيوب بقوله: فإن باعه أي أقاله بمثل الثمن أو بأكثر إن دلس فلا رجوع وإلاَّ رد ثم رد عليه وبأقل كمل إلخ. وإنما يرجع البائع بالزائد فيما إذا أقاله بأكثر.
بَعْدَ اليَمِينِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ ** يَعْلَمُهُ فِيما مَضَى مِنْ زَمَنِ

(بعد اليمين أنه لم يكن يعلمه فيما مضى من زمن) وهي يمين تهمة لا تقلب ويثبت الحق بمجرد نكوله عنها، اللهم إلا أن يحقق المشتري عليه دعوى العلم، فإنها تقلب ولا تسقط عن المشتري الزيادة حيث نكل البائع إلا بعد يمينه.
وَالْفَسْخُ في إقالَةٍ مِمَّا انْتُهِجْ ** بالصَّنْعَةِ التَّغْيِيرَ كَالغَزْل انْتُسِجْ

(والفسخ) مبتدأ خبره (في إقالة) من غزل مثلاً اشتراه ثم أقال فيه بعد أن نسجه ولم يعلم المقال بنسجه (مما) أي من أجل ما (انتهج) المبيع أي سلك (بالصنعة) منهج (التغيير) مفعول مطلق على حذف مضاف كما ترى وما مصدرية أي: الفسخ واجب في هذه الإقالة من أجل سلوك المبيع طريق التغيير بسبب الصنعة لأن التغيير فوت، فلا يلزم المقال أخذه مع فوته إلا برضاه وذلك (كالغزل) حالة كونه (انتسج) بعد بيعه وأقاله فيه قبل أن يعلم البائع بنسجه كما مر، فإن علم بنسجه فالإقالة لازمة كانت بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، فإن تنازعا بعد وقوعها فادعى المشتري أنه أقاله بمثل الثمن ويزيد أجرة نسجه، وادعى المقال أنه أقاله بالمثل فقط فذلك كاختلاف المتبايعين في الثمن فيتحالفان ويتفاسخان ولا تلزم الإقالة.
إلاَ إذَا الْمُقَالُ بالرِّضَا دَفَعْ ** لِمَنْ أَقال أُجْرَةٌ لما صَنَعْ

(إلا إذا المقال بالرضا دفع. لمن أقال أجرة لما صنع) فتلزم الإقالة حينئذ. ابن سلمون قال ابن الماجشون: من أقال رجلاً في بيع أو ابتياع فوجد شيئاً قد زاد أو نقص أو فات هو لا يعلم لم تلزمه إلا في الطعام وكل ما يوجد مثله فيلزمه قال المشاور: ولا تجوز الإقالة في شيء قد دخلته صنعة من الصنائع كالخياطة في الثوب والدباغ في الجلد ونحو ذلك ويفسخ إلا أن يقول المقيل: أقيلك على أن تعطيني في خياطتي أو دباغتي كذا وكذا فرضي بذلك وإلاَّ فلا. اهـ. فقول المشاور: ولا تجوز الإقالة يعني لا تلزم حيث لم يعلم بتغيره وظهور تغيره كعيب به فلابد من رضاه به، وإذا علم بالتغير وسكت عن دفع الأجرة فلا تلزم أيضاً بدليل الاستثناء بعده فيكون موافقاً لابن عيشون لأن الصنعة فوت وتزيد وتنقص فلا تلزم الإقالة للمقال إلا بعد علمه بالتغير ورضاهما على أخذ الأجرة ودفعها أو على تركها، وإلا فسخت الإقالة. هذا هو المراد فقوله: كالغزل إلخ. أخرج به المثلى لأنه وإن تغير وهو لا يعلم بتغيره فالإقالة فيه لازمة ويأخذ مثله ولا كلام لواحد منهما كما تقدم، وبهذا التقرير ينتفي إشكال الشارح حيث قال: لم يتبين لي وجه فسخ الإقالة إذا رضي المقال بذهاب عمله مجاناً، فكما يجوز له قبض أجرة ذلك يجوز أن يتركه مجاناً. اهـ. لما علمت أنه ليس مراد المشاور دفع الأجرة حتماً وأنها لا تجوز إلا بدفعها لما علمت من أن الإقالة بيع فتجوز بالمثل أو بأقل أو بأكثر حصل تغير في المبيع كتفصيل الثوب وخياطته أم لا. وإنما مراده أنها لا تلزمه عند التنازع في كونها وقعت على دفع الأجرة أو على تركها إلا مع البيان أو رضا المقال بدفعها بعد علمه بالتغير، فكلام المشاور تفسير لكلام ابن الماجشون لا أنه مستقل كما فهموه، وأما قول من قال وجه منعها بعد حدوث الصنعة هو تهمة سلف جر نفعاً فغير سديد لما علمت أن الغيبة على المقوم المعين لا تعد سلفاً كما مر في غير ما موضع، ويلزم عليه أن من اشترى سلعة وأحدث فيها صنعته لا يبيعها من بائعها إلا بعد دفع أجرة الصنعة، وهذا لا يقوله أحد، وقد تحدث الصنعة فيها نقصاً، وأيضاً أي نفع يحصل للمقترض بالغيبة على الجلد والثوب والغزل حتى يحمله ذلك على الاستقراض ويتهم عليه والله أعلم.
وَلاَ يُقَالُ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ الأَجَلْ ** بِثَمنٍ أدْنى وَلاَ وَقْتٍ أَقَلْ

(ولا يقال) مضارع أقال مبني للمفعول أي لا تجوز الإقالة لمن باع ثوباً بعشرة إلى شهر مثلاً (حيث لم يأت الأجل) الذي هو آخر الشهر (بثمن أدنى) كثمانية نقداً (ولا وقت) أي: ولا لوقت (أقل) من الشهور.
أَوْ ثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْهُ لأَمَدْ ** أبْعَدَ مِمَّا كَانَ فِيهِ الْمُعْتَمدْ

(أو ثمن أكثر منه) أي من الثمن الأول الذي هو العشرة في المثال المذكور كأن يقيله على اثني عشر (لأمد) أجل (أبعد مما) أي للأجل الذي (كان) هو أي الأمد (فيه المعتمد) خبر كان وفيه متعلق به وضميره للبيع أي أو أقاله على ثمن أكثر من الأول لأجل أبعد من الأجل الذي كان هو أي: الأجل معتمداً لهما في البيع ولو قال:
أو ثمن أكثر منه لأجل ** أبعد مما كان في البيع حصل

لكان أسهل وأوضح. والحاصل أن من باع سلعة لأجل وأقال بائعه فيها، فأما أن يقيله بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، وفي كل إما نقداً أو لدون الأجل أو للأجل نفسه أو لأبعد منه ثلاث في أربع باثنتي عشرة صورة منع منها ثلاثة وهي ما عجل فيه الأقل كما في (خ) وهي المذكورة في النظم، وعلة المنع فيها تهمة سلف جر نفعاً وضابطها أن يعود لليد السابقة بالعطاء أكثر مما خرج منها، فإن استوت الأثمان بأن أقاله أو اشترى منه بمثل الثمن، فالجواز مطلقاً نقداً أو لدون الأجل أو للأجل نفسه أو لأبعد منه كما قال:
وهْي إذَا كَانَتْ بِمِثْلِ المالِ ** جائِزةٌ في كل حَالٍ حَالِ

وكذا تجوز بأقل للأجل أو لأبعد منه أو بأكثر نقداً أو لدون الأجل أو للأجل نفسه، فهذه تسع صور من الاثنتي عشرة المتقدمة كلها جائزة لأنه لم يعد لليد السابقة بالعطاء أكثر مما خرج منها، بل عاد إليها في صور المثل الأربعة مثل ما خرج منها وعاد إليها فيما عداها أقل مما خرج منها، وفي الصورة الأخيرة وهي بأكثر للأجل نفسه تقع مقاصة ولا يد سابقة هناك فانتفت التهمة، وهذه المسألة من فصل بيوع الآجال وهو كثير التفاريع وقد تكفل بها (خ) وغيره.
تنبيه:
في نوازل البرزلي: وأما من عليه دين حل أجله أو قرب فلا يجوز أن يستدين من رب الدين ديناً آخر كان الأول برهن أم لا. ولو زعم أنه لغيره إذا كتبه باسمه، وسواء كان الغريم ملياً أو عديماً والعلة سلف جر نفعاً. والبرزلي: ظاهر مسائل الصرف من المدونة أنه إذ كانت السلعة الثانية غير الأولى أو الأولى ولم يردها عليه في الحال أو ما قرب ولم يكن بينهما شرط ولا عادة أنه جاهز. اهـ.
وَمُشْتَرٍ أَقَالَ مَهْمَا اشْتَرطا ** أَخْذَ الْمبِيع إنْ يَبِعْ تَغَبُّطَا

(ومشتر) لشيء (أقال) بائعه فيه (مهما اشترطا) المشتري في إقالته على البائع المقال (أخذ المبيع) الذي وقعت فيه الإقالة (إن يبع) أي أن يبعه البائع (تغبطا) بمعنى المفعول أي متغبطاً به، وهو حال إما من فاعل اشترط أو فاعل يبع، ويجوز أن يكون مفعولاً لأجله.
بالثَّمَنِ الأَوَّلِ فهْو جائِزُ ** والمُشْتَرِي بهِ المَبِيعُ حَائِزُ

(بالثمن الأول) متعلق بأخذ (فهو) أي اشتراط أخذ المبيع بالثمن الأول إذا بيع (جائز) والجملة جواب الشرط الذي هو مهما والشرط وجوابه خبر المبتدأ (و) إذا جاز ذلك (فالمشتري به) أي بذلك الاشتراط (المبيع) مفعول بقوله: (حائز) أي وإذا باعه البائع المقال فإن بيعه يفسخ، ويحوز المشتري المبيع ويأخذه بالثمن الأول بسبب شرطه المذكور قاله ابن القاسم في العتبية، ونص عليه ابن فتحون، ونقله ابن سلمون قائلاً: إلا أن يبيعها البائع بعد طول من الزمن ترتفع عنه فيه التهمة فلا شيء للمشتري المقيل وتبعهم الناظم، وفي المسألة نزاع واضطراب بسطنا الكلام عليه في الثنيا عند قوله: وجاز إن وقع بعد العقد طوعاً بحد أو بغير حد، فانظره هناك ولا مفهوم لقوله الأول، بل كذلك إذا شرط عليه المشتري في إقالته أخذه بالثمن الذي يبيعه به البائع ثانياً كما مر هناك، وعبارة الأجهوري في هذه المسألة هي ما نصه: ذكر الحطاب في التزاماته ما يقتضي أن تعليق الإقالة يجوز بخلاف تعليق البيع في غير الإقالة، فإذا قال المقيل للمقال: لا أقيلك إلا على أنك متى بعتها لغيري فهي لي بالثمن فرضي بذلك، فإن ذلك جائز، ومتى باعها كانت للمقيل بالثمن الأول، وسواء باعها بالقرب أو بعد بُعد حيث أتى بمتى وينقض البيع فيها وترد للمقيل، لأن متى لا تقتضي قرب الزمان، وأما إن أتى بأن أو بإذا فهي له إن باعها بالقرب فقط بخلاف لو وقع هذا الشرط في البيع، فإذا باعه على أنه متى باعه فهو له بالثمن ولو الأول، فإن البيع يفسد هذا هو المعول عليه قاله (ح) اه ثم قال الأجهوري المذكور: والحاصل أن البيع يفسد بهذا الشرط اتفاقاً بخلاف الإقالة ففيها خلاف يعني: والمعول عليه الجواز قال: وهنا أمور ينبغي التنبه لها. الأول، قال ابن رشد: إنما جاز هذا الشرط في الإقالة لأنها معروف فعله معه واشتراط أن يكافئه عليه بمعروف فلزم ذلك فيها بخلاف البيع. اهـ. وهذا هو وجه الفرق بين البيع والإقالة. الثاني: قال في النوادر: من أقال بائعه من حائط اشتراه على أنه متى باعه البائع فهو للمقيل بالثمن الذي يبيعه به فرضي ثم باعه فقام المقيل بشرطه كان ذلك له ويرد البيع ويأخذه بالثمن الذي باعه به. اهـ.
وقوله: كان ذلك له أي كان له القيام بشرطه. وقوله: ويرد البيع ويأخذه أي فهو إنما يأخذه بعد علمه به، فليس هو من الشراء بثمن مجهول. والحاصل أنه إن قال في مسألة الإقالة: إن بعته فهو لي بالثمن الأول فإنه يكون له بمجرد البيع إلا أن يشاء عدم أخذه، وأما إن قال: إن بعته فهو لي بالثمن الذي تبيعه به فإنه لا يكون له إن شاء أخذه إلا بعد معرفة الثمن الذي بيع به لا قبل ذلك لئلا يكون من المبيع بثمن مجهول. الثالث: لم يعينوا حد القرب ولا حد البعد في هذا الموضع، وقد ذكروا في مسألة النكاح أن البعد السنتان كما ذكره الشارح عند قول المصنف، وفي تشطير هدية إلخ. والأنسب تفسير القرب هنا بما فسر به القرب في الثنيا المحدودة بأجل فإنهم فسروا القرب فيها باليوم ونحوه. اهـ. كلام الأجهوري باختصار.
وَسُوِّغَتْ إقَالَةٌ فيما اكْتُرِي ** إنْ لَمْ يَكُنْ أَعْطَى الكِرَاءَ الْمُكْتَرِي

(وسوغت إقالة فيما اكتري) من دار أو دابة أو غيرهما (إن لم يكن أعطى الكراء المكتري). وظاهره جوازها حيث لم يكن أعطى الكراء سواء سكن بعض المدة أو ركب بعض المسافة أو لم يسكن ولم يركب وهو كذلك، ومفهوم الشرط أن الإقالة بعد نقد الكراء لا تجوز وهو كذلك إن كان سكن بعض المدة أو ركبها لأنه كراء وسلف كسلع باعها وقبض ثمنها وغاب عليه غيبة يمكنه الانتفاع به، ثم أقال من بعضها لتهمة بيع وسلف كما تقدم في البيت الأول من هذا الفصل، وهو مفهوم قول (خ) في العيوب: وإقالة من الجميع، فمفهومه إذا كانت من البعض لا تجوز إن كان قد غاب على الثمن الذي لا يعرف بعينه، وقد أشار في كراء الدابة لذلك أيضاً حيث قال عاطفاً على الجواز وإقالة بزيادة قبل النقد وبعده إن لم يغب، وإلاَّ فلا إلا من المكتري فقط إن اقتصر أو بعد سير كبير إلخ. وأما إن نقد الكراء ولم يسكن ولم يركب فالإقالة جائزة إذ لا يلزم عليها شيء، فمفهوم الشرط في النظم فيه تفصيل كما ترى.